فصل: فصل (في كون الصنف أكثر من ثلاثة):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مسألة: يُعْطَى ابْنُ السَّبِيلِ قَدْرَ مَا يُبَلِّغُهُ الْبَلَدَ الَّذِي يُرِيدُ:

قَالَ الشَّافِعِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: وَيُعْطَى ابْنُ السَّبِيلِ قدر ما يعطى من الزكاة قَدْرَ مَا يُبَلِّغُهُ الْبَلَدَ الَّذِي يُرِيدُ مِنْ نَفَقَتِهِ وَحَمُولَتِهِ إِنْ كَانَ الْبَلَدُ بَعِيدًا أَوْ كَانَ ضَعِيفًا، وَإِنْ كَانَ الْبَلَدُ قَرِيبًا وَكَانَ جَلْدًا، فَالْأَغْلَبُ مِنْ مِثْلِهِ لَوْ كَانَ غَنِيًّا الْمَشْيُ إِلَيْهَا أُعْطِيَ مُؤْنَتَهُ وَنَفَقَتَهُ بِلَا حَمُولَةٍ، فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ وَيَرْجِعَ أُعْطِيَ مَا يَكْفِيهِ فِي ذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ مِنَ النَّفَقَةِ.
قال الْمَاوَرْدِيُّ: وَالَّذِي يُعْطَاهُ ابْنُ السَّبِيلِ مُعْتَبَرٌ بِكِفَايَتِهِ فِي سَفَرِهِ بِحَسَبِ قُرْبِهِ وَبُعْدِهِ وَذَهَابِهِ وَعَوْدِهِ فَيُعْطَى مَا يَكْفِيهِ مِنْ نَفَقَةٍ وَمُؤْنَةٍ، فَإِنْ كَانَ جَلْدًا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ فِي سَفَرِهِ لَمِ يُزَدْ عَلَى مُؤْنَتِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ أَوْ كَانَ مُسَافِرًا فِي بَحْرٍ لَا يَجِدُ مِنَ الرُّكُوبِ بُدًّا أُعْطِيَ مَعَ النَّفَقَةِ كِرَاءَ مَرْكُوبِهِ، فَإِنْ أَرَادَ الْعَوْدَةَ أُعْطِيَ مَعَ اتِّسَاعِ الْمَالِ نَفَقَةَ الذَّهَابِ وَالْعَوْدَةِ وَنَفَقَةَ مُقَامِ الْمُسَافِرِ وَهُوَ مُدَّةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يُزَادُ عَلَيْهَا. وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ مَا أَقْنَعَ.

.مسألة [في أقسام حَالِ ابْنِ السَّبِيلِ وَكُلِّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ أَهْلِ السُّهْمَانِ]:

قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَأْتِي عَلَى السَّهْمِ كُلِّهِ أُعْطِيَهُ كُلَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ ابْنُ سَبِيلٍ غَيْرُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَأْتِي إِلَّا عَلَى سَهْمٍ، سَهْمٌ مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ مِنْ سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ لَمْ يُزَدْ عَلَيْهِ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ لَا يَخْلُو حَالُ ابْنِ السَّبِيلِ وَكُلِّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ أَهْلِ السُّهْمَانِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونُوا ثَلَاثَةً وَهُمْ أَقَلُّ الْجَمْعِ الْمُطْلَقِ لَا يَزِيدُونَ عَلَيْهَا وَلَا يُنْقَصُونَ مِنْهَا، ابن السبيل وقدر ما يعطى من الزكاة فَالْوَاجِبُ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِمْ سَهْمَهُمْ بِقَدْرِ حَاجَاتِهِمْ وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِهِمْ، سَوَاءً كَانَ دَافِعُ الزَّكَاةِ هُوَ الْوَالِي أَوْ رَبُّ الْمَالِ، فَإِنْ كَانَ سَهْمُهُمْ وَفْقَ كِفَايَاتِهِمْ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ أُعْطَوْهُ، فَإِنْ أَعْطَى اثْنَانِ مِنْهُمْ وَحَرَمَ الثَّالِثَ ضُمِنَتْ حِصَّتُهُ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ، وَإِنْ كَانَ سَهْمُهُمْ أَقَلَّ مِنْ كِفَايَاتِهِمْ لَمْ يَخْلُ حَالُ الْمُعْطِي مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ رَبَّ الْمَالِ، أَوِ الْعَامِلَ، فَإِنْ كَانَ رَبَّ الْمَالِ قَسَّمَهُ عَلَى خِيَارِهِ مِنْ تَسْوِيَةٍ وَتَفْضِيلٍ، وَإِنْ كَانَ الْعَامِلَ قَسَّمَهُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ وَوُكِلُوا فِي بَاقِي كِفَايَاتِهِمْ عَلَى مَا يَأْتِي مِنَ الصَّدَقَاتِ، فَإِنْ أَعْطَى اثْنَانِ مِنْهُمْ وَحَرَمَ الثَّالِثَ ضُمِنَتْ حِصَّتُهُ، فَإِنْ كَانَ فَاعِلُ ذَلِكَ هُوَ الْعَامِلَ ضَمِنَ حِصَّةَ الثَّالِثِ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ، وَإِنْ كَانَ رَبَّ الْمَالِ فَفِي قَدْرِ مَا يَضْمَنُهُ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: ثُلُثَ سَهْمِهِمُ اعْتِبَارًا بِالْعَدَدِ. وَالثَّانِي: يَضْمَنُ أَقَلَّ مَا يُجَزِئُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَيْهِمْ: لِأَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ لَا تَلْزَمُ، وَإِنْ كَانَ سَهْمُهُمْ أَكْثَرَ مِنْ كِفَايَاتِهِمْ أُعْطُوا مِنْهُ قَدْرَ كِفَايَاتِهِمْ مِنْ غَيْرِ الزِّيَادَةِ وَفِيمَا يُصْنَعُ بِالْفَاضِلِ مِنْ سَهْمِهِمْ وَجْهَانِ مَضَيَا: أَحَدُهُمَا وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَى بَاقِي الْأَصْنَافِ. وَالثَّانِي: يُنْقَلُ إِلَى أَهْلِ ذَلِكَ الصِّنْفِ فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ بِهِمْ.

.فصل [في كون الصنف أكثر من ثلاثة]:

وَالْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ يَكُونُوا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ كَأَنَّهُمْ كَانُوا عَشَرَةً فَصَاعِدًا، ابن السبيل وقدر ما يعطى من الزكاة فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ سَهْمُهُمْ وَفْقًا لِكِفَايَةِ جَمِيعِهِمْ فَالْوَاجِبُ أَنْ يُقَسَّمَ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَلَا يَجُوزَ الِاقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِهِمْ، فَإِنِ اقْتَصَرَ الْمُعْطِي عَلَى بَعْضِهِمْ وَحَرَمَ الْبَاقِينَ ضَمِنَ لِمَنْ حَرَمَهُ قَدْرَ كِفَايَتِهِ وَجْهًا وَاحِدًا، سَوَاءً كَانَ الْمُعْطِي رَبَّ الْمَالِ أَوِ الْعَامِلَ. وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ سَهْمُهُمْ يَقْضِي عَنْ كِفَايَةِ جَمِيعِهِمْ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمُعْطِي رَبَّ الْمَالِ، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ ثُمُنُهُمْ عَلَى ثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِاسْتِحْقَاقِ ذَلِكَ لِأَقَلِّ الْجَمْعِ، فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى اثْنَيْنِ ضَمِنَ حِصَّةَ الثَّالِثِ وَفِي قَدْرِهَا وَجْهَانِ مَضَيَا: أَحَدُهُمَا: الثُّلُثُ. وَالثَّانِي: قَدْرُ الْأَجْزَاءِ. وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُعْطِي الْوَالِيَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُفَرِّقَ ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى بَعْضِهِمْ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّ الْمَالِ أَنَّ مَا يُعْطِيهِ رَبُّ الْمَالِ هُوَ بَعْضُ الصَّدَقَاتِ، فَجَازَ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى بَعْضِ أَهْلِ السُّهْمَانِ وَمَا يُعْطِيهِ الْوَالِي هُوَ جَمِيعُ الصَّدَقَاتِ، فَوَجَبَ أَنْ يُفَرِّقَهُ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ السُّهْمَانِ، فَهَذَا قِسْمٌ ثَانٍ.

.فصل [في كون الصنف أقل من ثلاثة]:

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونُوا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ، كَأَنَّهُ وَجَدَ وَاحِدًا لَمْ يَرَ سِوَاهُ، ابن السبيل وقدر ما يعطى من الزكاة فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ السَّهْمُ أَكْثَرَ مِنْ كِفَايَتِهِ فَيُعْطَى مِنْهُ قَدْرَ كِفَايَتِهِ وَفِيمَنْ يُنْقَلُ إِلَيْهِ الْفَاضِلُ مِنْهُ الْوَجْهَانَ الْمَاضِيَانِ: أَحَدُهُمَا: إِلَى بَاقِي الْأَصْنَافِ. وَالثَّانِي: إِلَى ذَلِكَ الصِّنْفِ فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ. وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ السَّهْمُ كُلُّهُ بِقَدْرِ كِفَايَةِ هَذَا الْوَاحِدِ فَفِي جَوَازِ دَفْعِ جَمِيعِهِ إِلَيْهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: يَجُوزُ أَنْ يُدْفَعَ إِلَيْهِ جَمِيعُ السَّهْمِ: لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِ الْأَصْنَافِ عِنْدَ عَدَمِ مَنْ سِوَاهُ جَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِ الصِّنْفِ عِنْدَ عَدَمِ مَنْ سِوَاهُ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنَ السَّهْمِ إِلَّا ثُلُثَهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَهُ لِجَمْعٍ أَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ وَيُنْقَلُ بَاقِي السَّهْمِ وَهُوَ ثُلُثَاهُ إِلَى ذَلِكَ الصِّنْفِ فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ وَلَا يُعَادُ عَلَى بَاقِي الْأَصْنَافِ.

.مسألة: يُقَسَمُ لِلْعَامِلِ بِمَعْنَى الْكِفَايَةِ وَابْنِ السَّبِيلِ بِمَعْنَى الْبَلَاغِ:

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيُقَسَمُ لِلْعَامِلِ بِمَعْنَى الْكِفَايَةِ وَابْنِ السَّبِيلِ بِمَعْنَى الْبَلَاغِ، لِأَنِّي لَوْ أَعْطَيْتُ الْعَامِلَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالْغَازِيَ بِالِاسْمِ لَمْ يَسْقُطْ عَنِ الْعَامِلِ اسْمُ الْعَامِلِ مَا لَمْ يُعْزَلْ وَلَا عَنِ ابْنِ السَّبِيلِ اسْمُ ابْنِ السَّبِيلِ مَا دَامَ مُجْتَازًا أَوْ يُرِيدُ الِاجْتِيَازَ، وَلَا عَنِ الْغَازِي مَا كَانَ عَلَى الشَّخُوصِ لِلْغَزْوِ.
قال الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِنَّمَا قَصْدُ الشَّافِعِيِّ بِذَلِكَ تَمْيِيزُ أَهْلِ السُّهْمَانِ وَأَنَّهُمْ صِنْفَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا يُعْطَى بِالِاسْمِ حَتَّى يَزُولَ عَنْهُ. وَالثَّانِي: مَنْ يُعْطَى لِمَعْنًى يَقْتَرِنُ بِالِاسْمِ لَا يُرَاعَى زَوَالُهُ عَنْهُ، فَأَمَّا الْمُعْطَوْنَ بِالِاسْمِ حَتَّى يَزُولَ عَنْهُمْ فَأَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ: الْفُقَرَاءُ يُعْطَوْنَ حَتَّى يَسْتَغْنُوا فَيَزُولُ عَنْهُمُ اسْمُ الْفَقْرِ وَالْمَسَاكِينُ يُعْطَوْنَ حَتَّى يَسْتَغْنُوا فَيَزُولَ عَنْهُمُ اسْمُ الْمَسْكَنَةِ، وَالْمُكَاتَبُونَ يُعْطَوْنَ حَتَّى يُعْتَقُوا فَيَزُولَ عَنْهُمُ اسْمُ الْكِتَابَةِ، وَالْغَارِمُونَ يُعْطَوْنَ حَتَّى يَقْضُوا دُيُونَهُمْ فَيَزُولُ عَنْهُمُ اسْمُ الْغُرْمِ، فَأَمَّا الْمُعْطَوْنَ لِمَعْنًى يَقْتَرِنُ بِالِاسْمِ وَلَا يُرَاعَى زَوَالُ الِاسْمِ عَنْهُ في أصناف مصارف الزكاة فَأَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ: الْعَامِلُونَ يُعْطَوْنَ أُجُورَهُمْ وَإِنْ سُمُّوا بَعْدَ الْأَخْذِ عُمَّالًا. وَالْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ يُعْطَوْنَ وَإِنْ سُمُّوا بَعْدَ الْأَخْذِ مُؤَلَّفَةً.
وَالْغُزَاةُ يُعْطَوْنَ وَإِنْ سُمُّوا بَعْدَ الْأَخْذِ غُزَاةً، وَبَنُو السَّبِيلِ يُعْطَوْنَ وَإِنْ سُمُّوا بَعْدَ الْأَخْذِ بَنِي السَّبِيلِ، وَلَا يُرَاعَى فِيهِمْ زَوَالُ الِاسْمِ عَنْهُمْ كَمَا يُرَاعَى فِيمَنْ تَقَدَّمَهُمْ.

.مسألة [ما فَضَلَ عَنْ أَهْلِهِ رُدَّ عَلَى عَدَدٍ مِنْ عَدَدِ مَنْ بَقِيَ السُّهْمَانُ]:

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَيُّ السُّهْمَانِ فَضَلَ عَنْ أَهْلِهِ رُدَّ عَلَى عَدَدٍ مِنْ عَدَدِ مَنْ بَقِيَ السُّهْمَانُ كَانَ بَقَّى فُقَرَاءَ وَمَسَاكِينَ لَمْ يَسْتَغْنُوا وَغَارِمُونَ لَمْ تُقْضَ كُلُّ دُيُونِهِمْ فَيُقَسَّمُ مَا بَقِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ، فَإِنِ اسْتَغْنَى الْغَارِمُونَ رُدَّ بَاقِي سَهْمِهِمْ عَلَى هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ نِصْفَيْنِ حَتَّى تَنْفَدَ السُّهْمَانُ، وَإِنَّمَا رُدَّ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا جَعَلَ هَذَا الْمَالَ لَا مَالِكَ لَهُ مِنَ الْآدَمِيِّينَ بِعَيْنِهِ يُرَدُّ إِلَيْهِ كَمَا تُرَدُّ عَطَايَا الْآدَمِيِّينَ وَوَصَايَاهُمْ لَوْ أُوصِيَ بِهَا لِرَجُلٍ فَمَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْمُوصِي كَانَتْ وَصِيَّتُهُ رَاجِعَةً إِلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي، فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمَالُ مُخَالِفًا الْمَالَ يُورَثُ هَاهُنَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَوْلَى بِهِ عِنْدَنَا فِي قَسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَقْرَبَ مِمَّنْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى لَهُ هَذَا الْمَالَ وَهَؤُلَاءِ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى لَهُ هَذَا الْمَالَ وَلَمْ يَبْقَ مُسْلِمٌ مُحْتَاجٌ إِلَّا وَلَهُ حَقٌّ سَمَّاهُ.
قال الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا قُسِّمَتِ الزَّكَاةُ عَلَى الْمَوْجُودِينَ مِنَ الْأَصْنَافِ فَكَانَتْ سِهَامُ بَعْضِ الْأَصْنَافِ أَكْثَرَ مِنْ كِفَايَاتِهِمْ وَسِهَامُ الْبَاقِينَ مِنَ الْأَصْنَافِ أَقَلَّ مِنْ كِفَايَاتِهِمْ، لَمْ يُعْطَ الْمُكْتَفُونَ بِبَعْضِ سِهَامِهِمْ إِلَّا قَدْرَ كِفَايَاتِهِمْ، وَنُقِلَ عَنْهُمُ الْفَاضِلُ مِنْ كِفَايَاتِهِمْ، ثُمَّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيٍّ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَغَيْرِهِ أَنْ يُرَدَّ عَلَى بَاقِي الْأَصْنَافِ الَّذِينَ قَصَرَتْ سِهَامُهُمْ عَنْ كِفَايَاتِهِمْ عَلَى مَا وَصَفَهُ مِنَ الْمِثَالِ فِي الْقِسْمَةِ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ إِلَى أَنَّهُ يُنْقَلُ الْفَاضِلُ مِنْ تِلْكَ السِّهَامِ إِلَى أَهْلِهَا فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ وَلَا يُرَدُّ عَلَى بَاقِي الْأَصْنَافِ: لِئَلَّا يُفَاضِلَ بَيْنَ الْأَصْنَافِ مَعَ تَسْوِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى بَيْنَهُمْ. وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَصَحُّ لِثَلَاثَةِ مَعَانٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ بِالصَّدَقَةِ عَنْ جِيرَانِ الْمَالِ مَا وُجِدُوا، وَفِي هَذَا عُدُولٌ عَنْهُمْ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا عَدِمَ بَعْضَ الْأَصْنَافِ وَجَبَ رَدُّ سَهْمِهِ عَلَى مَنْ وُجِدَ وَلَا يُنْقَلُ، فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْفَاضِلُ عَنْ كِفَايَةِ الْمَوْجُودِينَ يُرَدُّ عَلَى مَنِ احْتَاجَ وَلَا يُنْقَلُ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَمَّا كَانَتِ الْوَصَايَا إِذَا ضَاقَتْ وَرَدَّ بَعْضُهُمْ حِصَّتَهُ مِنْهَا، رُدَّتْ عَلَى مَنْ بَقِيَ وَلَمْ تُرَدَّ عَلَى الْوَرَثَةِ كَانَتِ الصَّدَقَةُ بِمَثَابَتِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

.مسألة: أَهْلُ الْفَيْءِ لَا يَدْخُلُونَ عَلَى أَهْلِ الصَّدَقَةِ:

قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَمَّا أَهْلُ الْفَيْءِ فَلَا يَدْخُلُونَ عَلَى أَهْلِ الصَّدَقَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الصَّدَقَةِ الْأُخْرَى فَهُوَ مَقْسُومٌ لَهُمْ صَدَقَتُهُمْ، فَلَوْ كَثُرَتْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ ووَاحِدٌ مِنْهُمْ يَسْتَحِقُّهَا، فَكَمَا كَانُوا لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ، فَكَذَلِكَ لَا يَدْخُلُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِهِمْ مَنْ يَسْتَحِقُّ مِنْهَا شَيْئًا.
قال الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ وَهِيَ جُمْلَةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: تَمْيِيزُ أَهْلِ الصَّدَقَةِ عَنْ أَهْلِ الْفَيْءِ. وَالثَّانِي: تَمْيِيزُ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ. فَأَمَّا تَمْيِيزُ أَهْلِ الصَّدَقَةِ عَنْ أَهْلِ الْفَيْءِ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَقُلْنَا لِمَنْ قَالَ: الْفَيْءُ لِأَهْلِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ أَهْلُ الصَّدَقَاتِ، وَأَمَّا الصَّدَقَةُ لِأَهْلِهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَهْلُ الْفَيْءِ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ أَهْلُ الْعِرَاقِ بَعْدَ مُضِيِّ الْكَلَامِ فِيهِ. وَأَمَّا تَمْيِيزُ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ مُعْطِيهَا، فَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ هُوَ الْمُعْطِيَ تَمَيَّزُوا بِالْجِوَارِ، فَإِذَا أَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ لِأَهْلِهَا مِنْ جِيرَانِهِ، فَإِنِ اكْتَفَوْا بِهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ زَكَاةِ غَيْرِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَكْتَفُوا جَازَ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ زَكَاةٍ أُخْرَى: لِأَنَّ أَرْبَابَ الْأَمْوَالِ قَدْ يَتَجَاوَرُونَ، فَيَكُونُ فِي جِيرَانِ جَمِيعِهِمْ أَهْلًا لِصَدَقَاتِهِمْ كُلِّهِمْ، فَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ هُوَ الْمُعْطِيَ فَأَهْلُ عَمَلِهِ أَهْلُ الصَّدَقَاتِ الَّتِي يَجْبِيهَا، فَإِذَا فَرَّقَهَا فِيهِمْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ غَيْرِهَا مِنَ الصَّدَقَاتِ، سَوَاءً اكْتَفَوْا بِمَا قَدْ أَخَذُوا مِنَ الصَّدَقَاتِ أَمْ لَا: لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي صَدَقَةٍ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: فَكَمَا لَا يَدْخُلُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ، فَكَذَلِكَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ. وَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ إِذَا فَضَلَتْ عَنْ كِفَايَةِ بَعْضِهِمْ فَاحْتَاجَ إِلَيْهَا الْبَاقُونَ أَنَّهَا لَا تُنْقَلُ عَنْهُمْ؛ تَعْلِيلًا بِأَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَدْخُلُوا عَلَى غَيْرِهِمْ فِي صَدَقَةٍ أُخْرَى لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ فِي الْفَاضِلِ مِنْ صَدَقَاتِ بَعْضِهِمْ، وَهَذَا تَعْلِيلٌ صَحِيحٌ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَا يُعْطِيهِ الْعَامِلُ وَبَيْنَ مَا يُعْطِيهِ رَبُّ الْمَالِ؟ قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ رَبَّ الْمَالِ يُعْطِي بَعْضَ الصَّدَقَاتِ، فَجَازَ أَنْ يُعْطِيَ الْآخِذَ مِنْ صَدَقَةٍ أُخْرَى، وَالْعَامِلُ يُعْطِي جَمِيعَ الصَّدَقَاتِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْطِيَ الْآخِذَ مِنْ صَدَقَةٍ أُخْرَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

.مسألة: إِذَا اسْتَغْنَى أَهْلُ نَاحِيَةٍ بِبَعْضِ صَدَقَاتِهِمْ:

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنِ اسْتَغْنَى أَهْلُ عَمَلٍ بِبَعْضِ مَا قُسِمَ لَهُمْ وَفَضَلَ عَنْهُمْ فَضْلٌ، رَأَيْتُ أَنْ يُنْقَلَ الْفَضْلُ مِنْهُمْ إِلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِهِمْ فِي الْجِوَارِ.
قال الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا اسْتَغْنَى أَهْلُ نَاحِيَةٍ بِبَعْضِ صَدَقَاتِهِمْ وَجَبَ نَقْلُ فَاضِلِهَا إِلَى أَقْرَبِ الْبِلَادِ بِهِمْ: لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمْ فِيمَا فَضَلَ عَنْ كِفَايَاتِهِمْ، فَكَانَ أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِمْ أَحَقَّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَلَوْ قَرُبَ مِنْهُمْ بُلْدَانٌ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْآخَرِ، كَانَ أَقْرَبُ الْبَلَدَيْنِ أَوْلَى مِنْ أَبْعَدِهِمَا، سَوَاءً كَانَ الْأَقْرَبُ مِصْرًا أَوْ قَرْيَةً. وَإِنْ كَانَا فِي الْقُرْبِ سَوَاءً، نُظِرَ فِي الْعَامِلِ فِي الصَّدَقَةِ، فَإِنْ كَانَتْ مَعَ رَبِّ الْمَالِ كَانَ بِالْخِيَارِ فِي إِخْرَاجِهَا فِي أَيِّ الْبَلَدَيْنِ شَاءَ، وَإِنْ كَانَتْ مَعَ الْوَالِي كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَهَا فِي الْبَلَدَيْنِ مَعًا: لِأَنَّ عَلَى الْوَالِي أَنْ يَعُمَّ وَلَيْسَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ أَنْ يَعُمَّ، وَلَوْ تَسَاوَيَا فِي الْقُرْبِ إِلَيْهِمْ قَرْيَةً وَبَادِيَةً اسْتَوَيَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَكَانَا كَالْبَلَدَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْقُرْبِ، وَسَوَاءً كَانَا فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي جِهَتَيْنِ مِنْ عَمَلٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ عَمَلَيْنِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْبَلَدَيْنِ مِنْ وِلَايَةِ هَذَا الْعَامِلِ وَالْآخَرُ مِنْ غَيْرِ وِلَايَتِهِ، فَيَكُونُ الْبَلَدُ الَّذِي هُوَ فِي وِلَايَتِهِ أَوْلَى بِنَقْلِ هَذَا الْفَاضِلِ إِلَيْهِمْ مِنَ الْبَلَدِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ وِلَايَتُهُ.

.مسألة [لَوْ ضَاقَتِ السُّهْمَانُ قُسِّمَتْ عَلَى الْجِوَارِ دُونَ النَّسَبِ]:

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ ضَاقَتِ السُّهْمَانُ قُسِّمَتْ عَلَى الْجِوَارِ دُونَ النَّسَبِ، وَكَذَلِكَ إِنْ خَالَطَهُمْ عَجَمٌ غَيْرُهُمْ فَهُمْ مَعَهُمْ فِي الْقَسْمِ عَلَى الْجِوَارِ، فَإِنْ كَانُوا أَهْلَ بَادِيَةٍ عِنْدَ النُّجْعَةِ يَتَفَرَّقُونَ مَرَّةً وَيَخْتَلِطُونَ أُخْرَى، فَأَحَبُّ إِلَيَّ لَوْ قَسَّمَهَا عَلَى النَّسَبِ إِذَا اسْتَوَتِ الْحَالَاتُ، وَإِذَا اخْتَلَفَتِ الْحَالَاتُ فَالْجِوَارُ أَوْلَى مِنَ النَّسَبِ. وَإِنْ قَالَ مَنْ تَصَدَّقَ إِنَّ لَنَا فُقَرَاءَ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْمَاءِ وَهُمْ كَمَا وَصَفْتُ يَخْتَلِطُونَ فِي النُّجْعَةِ، قَسَّمَ بَيْنَ الْغَائِبِ وَالْحَاضِرِ. وَلَوْ كَانُوا بِالطَّرَفِ مِنْ بَادِيَتِهِمْ فَكَانُوا أَلْزَمَ لَهُ، قُسِّمَ بَيْنَهُمْ وَكَانَتْ كَالدَّارِ لَهُمْ، وَهَذَا إِذَا كَانُوا مَعًا أَهْلَ نُجْعَةٍ لَا دَارَ لَهُمْ يَقَرُّونَ بِهَا، فَأَمَّا إِنْ كَانَتْ لَهُمْ دَارٌ يَكُونُونَ لَهَا أَلْزَمَ، فَإِنِّي أُقَسِّمُهَا عَلَى الْجِوَارِ بِالدَّارِ. (وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ): إِذَا اسْتَوَى فِي الْقُرْبِ أَهْلُ نَسَبِهِمْ وَعِدًى، قُسِّمَتْ عَلَى أَهْلِ نَسَبِهِمْ دُونَ الْعِدَى، وَإِنْ كَانَ الْعِدَى أَقْرَبَ مِنْهُمْ دَارًا، وَكَانَ أَهْلُ نَسَبِهِمْ مِنْهُمْ عَلَى سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ قُسِّمَتْ عَلَى الْعِدَى إِذَا كَانَتْ دُونَ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ: لِأَنَّهُمْ أَوْلَى بِاسْمِ حَضْرَتِهِمْ. وَإِنْ كَانَ أَهْلُ نَسَبِهِمْ دُونَ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَالْعِدَى أَقْرَبَ مِنْهُمْ قُسِّمَتْ عَلَى أَهْلِ نَسَبِهِمْ: لِأَنَّهُمْ بِالْبَادِيَةِ غَيْرُ خَارِجِينَ مِنِ اسْمِ الْجِوَارِ، وَكَذَلِكَ هُمْ فِي الْمَنْعَةِ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُقَدِّمَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّ الصَّدَقَةَ إِنْ قَسَّمَهَا الْعَامِلُ لَزِمَهُ أَنْ يُقَسِّمَهَا عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ السُّهْمَانِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَصِرَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ عَلَى طَائِفَةٍ حَتَّى يُقَسِّمَهَا عَلَى جَمِيعِهِمْ، وَإِنْ قَسَّمَهَا رَبُّ الْمَالِ جَازَ أَنْ يَقْتَصِرَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ عَلَى طَائِفَةٍ أَقَلُّهَا ثَلَاثَةٌ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُفَرِّقَهَا فِي جَمِيعِ الصِّنْفِ إِلَّا أَنْ تَتَّسِعَ صَدَقَتُهُ لِجَمِيعِهِمْ فَيَلْزَمُهُ مَعَ الِاتِّسَاعِ أَنْ يُفَرِّقَهَا فِي الْجَمِيعِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَامِلِ وَبَيْنَ رَبِّ الْمَالِ مَا قَدَّمْنَاهُ، فَإِنَّ الْعَامِلَ يُقَسِّمُ جَمِيعَ الصَّدَقَاتِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُقَسِّمَهَا فِي جَمِيعِ أَهْلِ السُّهْمَانِ، وَرَبُّ الْمَالِ يُقَسِّمُ بَعْضَ الصَّدَقَاتِ، فَجَازَ أَنْ يُقَسِّمَهَا فِي بَعْضِ أَهْلِ السُّهْمَانِ. وَالْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ نَقْلَ الصَّدَقَةِ عَنْ مَكَانِهَا لَا يَجُوزُ إِذَا وُجِدَ فِيهِ أَهْلُهَا، وَإِنْ نُقِلَتْ فَقَدْ أَسَاءَ نَاقِلُهَا. وَفِي إِجْزَائِهَا قَوْلَانِ. فَإِنْ عُدِمَ أَهْلُ السُّهْمَانِ فِي مَكَانِهِمَا نُقِلَتْ إِلَى أَقْرَبِ الْبِلَادِ بِهِ. فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَاتَانَ الْمُقَدِّمَتَانِ فَلَا يَخْلُو قَسْمُ الصَّدَقَاتِ مِنْ أَنْ يَتَوَلَّاهُ رَبُّ الْمَالِ أَوِ الْعَامِلُ، فَإِنْ تَوَلَّاهُ الْعَامِلُ، فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ صَدَقَاتِ أَمْصَارٍ أَوْ بَوَادٍ، فَإِنْ كَانَتْ صَدَقَاتِ أَمْصَارٍ لَزِمَهُ أَنْ يُقَسِّمَ صَدَقَةَ كُلِّ مِصْرٍ فِي أَهْلِهِ وَأَهْلُ الْمِصْرِ مَنِ اشْتَمَلَ عَلَيْهِمْ بُنْيَانُهُ وَأَحَاطَ بِهِمْ سُورُهُ. فَأَمَّا مَنْ خَرَجَ عَنْ سُورِهِ وَلَمْ يَتَّصِلْ بِبُنْيَانِهِ، فَإِنْ كَانُوا عَلَى مَسَافَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَصَاعِدًا لَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِي زَكَاةِ ذَلِكَ الْمِصْرِ حَقٌّ لِكَوْنِهِمْ مِنَ الْمِصْرِ عَلَى سَفَرٍ يُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُضَافُوا إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى مَسَافَةٍ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَفِيهِمْ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ لِصَدَقَاتِ الْمِصْرِ وَهُمْ كَسُكَّانِهِ فِي أَنَّ الْخَارِجَ إِلَيْهِمْ لَا يَكُونُ مُسَافِرًا يَسْتَبِيحُ الْقَصْرَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي صَدَقَاتِهِ: لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إِلَى بَلَدِ مَنْ لَيْسَ فِيهِ. وَالَّذِي أَرَاهُ مَذْهَبًا وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ: أَنْ يُنْظَرَ فِي الْخَارِجِ عَنِ الْمِصْرِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ حُضُورُهُ كَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ كَانَ مُضَافًا إِلَى أَهْلِهِ فِي اسْتِحْقَاقِ صَدَقَاتِهِمْ كَمَا كَانَ مُضَافًا إِلَيْهِمْ فِي وُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَيْهِ فِي مِصْرِهِمْ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَلْزَمُهُ حُضُورُ الْمِصْرِ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ لَمْ يَكُنْ مُضَافًا إِلَى أَهْلِهِ فِي اسْتِحْقَاقِ صَدَقَاتِهِمْ كَمَا لَمْ يُضَفْ إِلَيْهِمْ فِي وُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَيْهِ فِي مِصْرِهِمْ. وَهَذَا حُكْمُ صَدَقَاتِ الْأَمْصَارِ إِذَا قَسَّمَهَا الْعَامِلُ فِي أَهْلِهَا. وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَنْ كَانَ قَاطِنًا فِي الْمِصْرِ أَوْ طَارِئًا إِلَيْهِ وَأَقَارِبُ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ وَالْأَجَانِبُ: لِأَنَّ اسْتِيعَابَ جَمِيعِهِمْ فِي قِسْمَةِ الْعَامِلِ وَاجِبٌ.